الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
وإن كان مأمومًا.. قال الجويني، والمسعودي [في "الإبانة" ق\61\] بفعليه أن ينوي الاقتداء، فإن لم ينو ذلك، وتابع الإمام.. بطلت صلاته.
فإن كبر ثالثًا: صحت له، فإن كبر رابعا مع النية... بطلت الثالثة. وحكى الصيدلاني وجها آخر: أن الأولى لا تبطل بالثانية؛ لأنه تكرار تكبير لم ينو به الإبطال. والأول هو المشهور. فلو قطع نيته الأولى قبل التكبيرة الثانية.. انعقدت الصلاة بالثانية. قال الطبري: فإن نوى الشروع قبل التكبيرة الثانية، ثم كبر الثانية مستديما لهذه النية.. فهل يصير شارعا بالصلاة في التكبيرة الثانية؟ فيه وجهان، بناء على ما لو قال: إذا لقيت فلانا.. فقد خرجت من الصلاة.. فهل تبطل في الحال، أو حتى يلقاه؟ على جهين: فإن قلنا: تبطل في الحال... صح له الشروع هاهنا بالتكبيرة الثانية؛ لأنه لما نوى الشروع.. صار كأنه نوى قطع الصلاة؛ فإذا كبر مستديما لهذه النية.. انعقدت صلاته. وإن قلنا: لا تبطل صلاته حتى يلقى فلانا، لم يصر شارعا هاهنا بالتكبيرة الثانية، فإن كبر ثالثا.. انعقدت.
وإن كان هذا الشك في أصل النية... ففيه وجهان: أحدهما: أن حكمه حكم ما لو شك في التعيين، وهو الأصح؛ لأن التعيين يجب كما يجب أصل النية. والثاني: تبطل الصلاة بنفس الشك؛ لأنه لم يتيقن الدخول في الصلاة. إذا ثبت هذا: فإن قرأ الفاتحة، أو ركع، أو رفع منه، أو سجد، أو رفع منه في حال الشك.. بطلت صلاته؛ لأن فعل الصلاة في حال الشك، لا يصح. وإن وقف، ولم يفعل شيئا من ذلك، أو سبح في حال الشك إلى أن ذكر.. لم تبطل صلاته؛ لأن الصلاة لو خلت من ذلك الجزء... لجازت، بخلاف القراءة، والأفعال التي ذكرناها.
فإن تذكر في الحال أنه كان قد نواه.. لزمه الإتمام؛ لأنه حصل في جزء من صلاته من غير نية القصر، فيصير في تلك الحال كأنه نوى الإتمام. وإن صلى الظهر والعصر، ثم تيقن أنه نسي النية في إحداهما.. وجب عليه إعادتهما.
وقال أبو حنيفة: (لا تبطل). دليلنا: أن استدامة حكم النية واجب في الصلاة، فإذا قطعها.. بطلت، كما لو أحدث فيها عامدًا. وإن دخل صلاة الظهر، ثم صرفها إلى العصر.. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: يبطل الظهر؛ لأنه قطع نيته، ولا تصح له العصر؛ لأنه لم ينوها عند الإحرام. وقال المسعودي [في "الإبانة" ق\62] لا تصح له الظهر والعصر، وهل تصح له نفلا؟ فيه قولان. قال: وكذا لو كبر للظهر قاعدا مع القدرة على القيام، أو أحرم بالظهر قبل الزوال، أو اقتدى بإمام مريض يصلي قاعدًا، فقدر على القيام، فلم يقم، وعلم بحاله، فلم يخالفه.. فهل تنعقد له نفلا؟ فيه قولان. قال: ومثله لو أحرم بالحج قبل أشهر الحج.. لم ينعقد له الحج، وهل تنعقد له العمرة؟ فيه قولان. وإن صرف الظهر إلى النفل.. قال أصحابنا البغداديون: فإن الظهر لا يصح له؛ لأنه قطع نيته. وهل يصح له النفل؟ فيه قولان. أحدهما: لا يصح له، كما لا تصح العصر إذا انتقل إليه من الظهر. والثاني: يصح لأن نية الفرض تتضمن النفل، ولهذا لو أحرم بالظهر قبل وقته وهو يظن أن الوقت قد دخل... أنها تنعقد له نافلة.
قال الصيمري: والإمام يدخل في الصلاة بفرضين وسنتين: فالفرضان: النية والتكبير، والسنتان: رفع اليدين، والجهر بالتكبير. والمأموم يدخل بفرضين وسنة؛ لأنه لا يسن له الجهر بالتكبير، بل يسمع نفسه. قال الشافعي: (ولا يجزئه إلا قوله: الله أكبر، أو الله الأكبر). وقال مالك: (لا تنعقد بقوله الله الأكبر). وقال أبو حنيفة، ومحمد: (تنعقد بكل اسم لله على وجه التعظيم، كقوله: الله العظيم، أو: الله الجليل، وكقوله: الحمد لله، أو: سبحان الله، أو: لا إله إلا الله، فأما الدعاء، كقوله: اللهم اغفر لي وارحمني.. فلا تنعقد به الصلاة). وقال الزهري: لا تفتقر الصلاة إلى التكبير، بل إذا نوى الصلاة.. انعقدت وإن لم يكبر، كسائر العبادات. ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وتحريمها التكبير». وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفتتح الصلاة بقوله: " الله أكبر "، وما روي عنه: أنه عدل إلى غيره، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي». وقوله: الله الأكبر، هو كقوله: الله أكبر، وفيه زيادة لا تحيل المعنى، فإن قال: الله العظيم الخالق أكبر.. أجزأه، وإن قال: الله أكبر وأجل وأعظم وأعز... أجزأه؛ لأنه أتى بقوله: الله أكبر، وزاد زيادة لا تحيل المعنى، فهو كقوله: الله أكبر كبيرًا. قال الشافعي: (وإن قال: الله أكبر من كل شي وأعظم، ونوى به التكبير... دخل في الصلاة بقوله: الله أكبر، وكان ما زاد عليه نافلة، وإن قال: الله الكبير، أو الكبير الله.. لم يجزئه؛ لأن ذلك ليس بتكبير). وإن قال: أكبر الله، أو الأكبر الله. فالبغداديون من أصحابنا قالوا: فيه وجهان: أحدهما: يجوز، كما لو قال: عليكم السلام في آخر الصلاة. والثاني: لا يجوز، كما لو غير الترتيب في الفاتحة. وقال المسعودي في ["الإبانة" ق\63] نص الشافعي: (أنه لو قال: الأكبر الله.. لا يجزئه)، ونص: (لو قال: عليكم السلام... أجزأه). فمن أصحابنا من قال: فيهما قولان. ومنهم من حملهما على ظاهرهما، فقال في التكبير: لا يجزئه، وفي السلام: يجزئه؛ لأنه يسمى مسلما وإن عكسه، ولا يسمى مكبرا إذا عكسه.
وهل يجوز أن يأتي بالشهادتين في غير الصلاة بالفارسية مع قدرته على العربية؟ وهل يحكم بإسلامه بذلك؟ فيه وجهان. وقال أبو حنيفة: (يجوز أن يكبر بالفارسية، مع قدرته على العربية). دليلنا: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يكبر بالعربية، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صلوا كما رأيتموني أصلي». فإن لم يحسن العربية.. فعليه أن يتعلم. فإن اتسع الوقت للتعلم، فلم يفعل، وكبر بالفارسية.. لم تصح صلاته؛ لأنه ترك الفرض مع القدرة عليه.
و (التمطيط): هو المد، وذلك مثل أن يقول: أكبار، فيزيد ألفا.. فلا يجوز؛ لأن (الأكبار): جمع كبر، وهو الطبل. وكذلك إن مد الهمزة التي في قوله: آلله... لا يجزئه؛ لأنه يصير استفهامًا. ولا يقصره أيضا، بحيث ينقص حروفه. وأما المأموم: فلا يستحب له الجهر به؛ لأنه لا يتعبه غيره، بل يأتي بالواجب، وأقله: أن يسمع نفسه، وإن كان أقل من ذلك.. لم يعتد به؛ لأن ذلك ليس بتكبير، بل هو حديث نفس. قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والنساء يسمعن أنفسهن بالتكبير، فإن أمتهن إحداهن.. جهرت بالتكبير؛ لأنه يقتدى بها، وتخفض من صوتها، ليكون دون صوت الرجال)
قال القاضي أبو الطيب: هذا إذا كان جاهلًا بأن ذلك لا يجوز، فأما إذا كان عالما بأن ذلك لا يجوز: فإنها لا تنعقد صلاته بفرض ولا نفل، كما قلنا - فيمن صلى الظهر، يعتقد أن الوقت قد دخل، ولم يكن دخل -: إنها تنعقد له نفلا، وإن صلى الظهر قبل وقتها مع علمه بذلك.. لم تنعقد صلاته. هذا نقل أصحابنا البغدادين، وقد تقدمت طريقة الخراسانيين.
وقال أبو حنيفة: (التكبير ليس من الصلاة، وإنما يدخل به فيها، والتسليم ليس من الصلاة، وإنما يخرج به منها). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هي التكبير، والقراءة والتسبيح» فدل على: أن التكبير من جملتها. ولأنه ذكر من شرط صحة كل صلاة، فوجب أن يكون منها، كالقراءة. فقولنا: (من شرط صحة كل صلاة) احتراز من الخطبة، فإنها شرط في الجمعة لا غير.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد: (يكبر مع الإمام، كما يركع مع ركوعه). دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا كبر الإمام.. فكبروا». فإن سبق المأموم الإمام بالتكبيرة.. فإنه ينوي قطعها، ثم يكبر، وينوي الاقتداء بالإمام. قال ابن الصباغ: وهذا يتصور عندي، إذا اعتقد أنه قد كبر، ولم يكن قد كبر. وإن ألحق صلاته بصلاة الإمام من غير أن ينوي القطع.. ففيه قولان، كما نقول في المنفرد إذا ألحق صلاته بصلاة الإمام، ويأتي توجيههما. وإن أدرك الإمام في الركوع، فكبر تكبيرة واحدة، نوى بها الافتتاح، وتكبيرة الركوع.. لم تجزئه عن الفرض؛ لأنه أشرك بين الفرض والنفل، وهل تجزئه عن النفل؟ فيه وجهان: أحدهما: تنعقد نفلا، كما لو أخرج رجل خمسة دراهم، ودفعها إلى المساكين، ونوى بها الزكاة وصدقة التطوع، فإنها لا تجزئه عن الزكاة، وتقع له تطوعا. والثاني: لا تنعقد نفلًا، كما لو أحرم بصلاة ونواها عن الفرض والنفل.. فإن صلاته لا تنعقد.
وقالت الزيدية: لا يرفع يديه في شيء من الصلاة. وقال أبو حنيفة، والثوري، وابن أبي ليلى: (يرفع يديه في تكبيرة الافتتاح، ولا يرفع في الركوع، ولا في الرفع منه). دليلنا: ما روى ابن عمر قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا افتتح الصلاة... رفع يديه حذو منكبيه، وإذا أراد أن يركع، وبعد ما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين». قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (روى هذا اثنا عشر رجلا من الصحابة، ورواه أبو حميد في عشرة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدهم: أبو قتادة). إذا ثبت هذا: فإنه يرفع يديه، حتى تحاذي كفاه منكبيه، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق. وقال أبو حنيفة: (يرفعهما، حتى تحاذي الكفان الأذنين). واحتج بما روى وائل بن حجر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه، حتى حاذتا أذنيه». ودليلنا: ما روي: أن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - لما قدم العراق المرة الأولى، جاءه أبو ثور، والكرابيسي - وكانا شيخي العراق - فأرادا أن يستعلما ما عنده، فقالا له: تكلم، فقال: تكلما، فقالا: ما تقول في رجلين اصطدما، ومع كل واحد منهما بيضة، فانكسرت البيضتان؟ فقال: (هذا سهل، على كل واحد منهما نصف قيمة بيضة صاحبه. ولكن ما تقولان في رفع اليدين عند الافتتاح؟) فقالا: يرفع اليدين إلى المنكبين؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حذو منكبيه». فقال:ما تقولان فيما روى وائل بن حجر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع يديه حتى حاذتا أذنيه»؟. فقالا: نرفع اليدين إلى الأذنين، فقال:فما تقولان فيما روى وائل بن حجر في خبر آخر: فرجعت إليهم - يعني: الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم؟ فقالا: لا نعلم. فقال الشافعي: (أما رواية ابن عمر: فأراد أنه رفع الكف إلى المنكب، وأما رواية وائل بن حجر: فأراد أنه رفع أطراف الأصابع إلى أذنيه، وأما روايته الأخرى: أنه رجع إليهم وهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم: فإنما كان رجع إليهم في الشتاء، وكانت عليهم برانس وثياب الصوف الثقال، فلم يمكنهم أن يرفعوا أيدهم إلى المناكب؛ لثقل ما عليهم، فرفعوا إلى صدورهم). فاستعمل الأخبار الثلاثة. ومتى يرفع يديه؟ حكى أصحابنا البغداديون فيه وجهين: أحدهما: وهو ظاهر قول الشافعي -: أنه لا يقدم رفع يديه على التكبير؛ لأن الرفع من هيئات الصلاة، والتكبير أول الصلاة، فلا تتقدم هيئته عليه، بل يرفع يديه عند ابتداء التكبير، فيفرغ من الرفع قبل فراغه من التكبير، فيتركهما مرفوعتين، حتى يفرغ من التكبير، ثم يرسلهما. فإن ترك يديه مرفوعتين بعد التكبير.. قال الشافعي: (لم يضره ذلك، ولا آمره به). والثاني: وهو قول الشيخ أبي إسحاق المروزي، وأبي علي الطبري، أنه يبتدئ بالرفع مع ابتداء التكبير، ويفرغ منه مع فراغه من التكبير. وليس بشيء؛ لأن من سنة التكبير: أن يأتي به مبنيا مرتلا، ولا يمكنه أن يأتي به على هذه الصفة في حال الرفع؛ لأن الرفع يحصل في وقت يسير لا يتمكن فيه من بيان التكبير وترتيله. وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\63] فيه وجهين آخرين. أحدهما: أنه يرفع يديه من غير تكبير، ثم يرسلهما بتكبير. واستدل بأن أبا حميد الساعدي روى ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والثاني: يرفع يديه، ثم يكبر وهما مرفوعتان، ثم يرسلهما بعد التكبير، واستدل بأن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - روى ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قال الشافعي: (فإن ترك رفع اليدين، حيث أمر به.. كرهت ذلك، ولا إعادة عليه، ولا سجود). وقال في "الأم": (وينشر أصابع يديه للتكبير)؛ لما روى أبو هريرة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا كبر في الصلاة.. نشر أصابعه». فإن نسي الرفع حتى فرغ من التكبير... لم يسن له الإتيان به؛ لأن محله فات وإن ذكره في أثناء التكبير.. أتى به؛ لأن محله باق. وإن كان بيديه علة لا يمكنه رفعهما إلى المنكبين.. رفعهما إلى حيث أمكنه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا أمرتكم بأمر.. فأتوا منه ما استطعتم». وإن كانتا قائمتين لا يمكنه رفعهما إلى المنكبين إلا بأن يعلوا على المنكبين.. رفعهما إلى أعلى المنكبين. وكذلك إن كان يمكنه الرفع إلى ما دون المنكبين، ويمكنه الرفع إلى أعلى المنكبين ولا يمكنه الرفع إلى المنكبين.. فإنه يرفعهما إلى أعلى المنكبين؛ لأنه يأتي بزيادة هو مغلوب عليها. وإن كانت إحدى يديه صحيحة، والأخرى عليلة.. رفع الصحيحة إلى المنكبين، ورفع العليلة إلى حيث أمكنه؛ لما مضى.
وحكى أبو إسحاق في " الشرح ": أن الشافعي قال في "الأم": (القصد تسكين يديه، فإن أرسل يديه، ولم يعبث بهما.. فلا بأس). وروي ذلك عن ابن الزبير. وقال الليث: (إن أعيا في الصلاة.. فعله، وإلا.. لم يفعله). وقال الأوزاعي: (من شاء.. فعل، ومن شاء.. ترك). وقال أبو إسحاق في " الشرح ": إذا وضع يديه إحداهما على الأخرى.. جعلهما تحت سرته. وهو مذهب أبي حنيفة، وإسحاق بن راهويه. دليلنا: ما روي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] قال: (وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت النحر). وهذا لا يقوله إلا لغة، أو توقيفا. وروى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمرنا معاشر الأنبياء أن نؤخر السحور، ونعجل الفطر، ونأخذ بأيماننا على شمائلنا في الصلاة». «وروى وائل بن حجر: (أنه رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك)».
وقال مالك: (ينظر أمام قبلته). وقال شريك بن عبد الله: ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى قدميه، وفي السجود إلى أنفه، وفي القعود على حجره. دليلنا: ما روي عن ابن عباس: أنه قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استفتح الصلاة... لم ينظر إلا إلى موضع سجوده». ولأنه أبلغ في الخشوع، فكان أولى.
وقال مالك: (لا يأتي به، بل يبتدئ بالقراءة). والذي استحبه الشافعي أن يقول: ما روى علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا استفتح الصلاة.. قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ورب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين». وأما المنقول في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وأنا أول المسلمين» ولكن لا يقوله غير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه كان أول المسلمين من هذه الأمة. ثم يقول: «اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهديني لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها إنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، إنا بك وإليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك». فقوله: «والخير بيديك، والشر ليس إليك» يقتضي: أن الخير من فعل الله، والشر ليس من فعله، ولم يفرق أحد من الأئمة بينهما؛ لأن أصحاب الحديث يقولون: الخير والشر من فعل الله، والمعتزلة يقولون: هما من فعل العبد. إلا أن للخير تأويلين: أحدهما: ذكره المزني -: وهو أن معنى: " والشر ليس إليك " أي: لا يضاف إليك وإن كنت خلقته؛ لأنه لا يضاف إليه إلا الحسن من أفعاله، فيقال: يا خالق النور والشمس والقمر، ولا يقال: يا خالق القردة والخنازير وإن كان خالقها، كذا لا يضاف إليه الشر وإن كان خالقه. والتأويل الثاني - ذكره ابن خزيمة - أنه أراد أن الشر لا يُتقرب به إليك، وإنما يتقرب إليك بالخير. قال ابن الصباغ: فإن كان منفردًا.. أتى بجميع ذلك. وإن كان إماما.. أتى به، إلا أن يكون في ذلك مشقة على المأمومين. قال الطبري في "العدة": والمستحب أن يقول: (الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا)، وجهت وجهي..إلى آخره. وقال أبو حنيفة: (يستحب أن يقول عقيب التكبيرة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك). روته عائشة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يقرأ. وقد استحب جماعة من أصحابنا أن يجمع بين هذا. وبين ما رواه الشافعي عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وهو مذهب أبي يوسف. |